صحيفة الأستاذ | Educpress.com | الجمعة 26 أبريل 2013
على ضوء إشراف وزير التربية الوطنية محمد الوفا بحضور أعضاء من الحكومة والمدير العام لشركة ميكروسوفت المغرب سمير بنمخلوف، عشية أمس الثلاثاء، على إعطاء الانطلاقة الرسمية لعدة مشاريع تربوية لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، وتوقيعه لمذكرة تفاهم بين وزارة التربية الوطنية وشركة ميكروسوفت المغرب،
وإعطائه الانطلاقة لكل من برنامج الإشهاد المعلومياتي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم (IT ACADEM و مشروع توسيع عرض التكوين في الاستعمال البيداغوجي لتكنلوجيا المعلومات والاتصالات من خلال التعليم عن بعد (E- Learning) لفائدة الأطر التربوية . قررنا من جديد أخد زمام المبادرة بكتابة هذا المقال من اجل تقاسم هموم واقع تربوي أولا و لينظاف إلى مقال سابق معنون تحت ” موقع المدرسة المغربية من اقتصاد المعرفة” كمحاولة شبابية تحاول ملامسة أحد جوانب المستور في منظومة التربية و التكوين في البعد التكنولوجي .
سأبدأ مقالي بقصة طريفة لكن مفيدة و ذات مغزى ، مقتبسة من أعمال الدكتور “عبدالفتاح بلبركة”، يقول فيها بأن أستاذا طلب من تلاميذته عمل بحث ما، وبدأ الأستاذ بالتنقل بين التلاميذ لأخذ البحوث. فوجد من وضع البحوث في قرص مدمج، وأخرون وضعوها في شكل كتيب.. الخ ولكن ما استرعى انتباهه حالتان: الأولى لطالب أعطى الأستاذ وريقة فسأله الأستاذ: أين البحث؟ فأجاب الطالب بأن هذه الوريقة تحتوي على عنوان مدونته والبحث موجود هناك. إلا أن الأستاذ لم يفهم فأوضح له الطالب بأنها مدونة رقمية على الانترنت يضع فيها أعماله الدراسية ، فأخذ الأستاذ الوريقة وتابع تنقله بين الطلاب ليتفاجأ بطالب آخر يمسك بهاتفه النقال فقال له الأستاذ: طلبت منك بحثا وليس هاتفا نقالا؟! فأجاب الطالب :انه هاتفي يا أستاذ وبداخله ستجد البحث الذي طلبته مني بصيغة الصوت والصورة ، فاستغرب الأستاذ وقال: وهل سآخذ هاتفك معي؟ فأجابه الطالب: شغل” Bluetooth” يا أستاذ لأرسله لك. فلم يعرف الأستاذ كيف يشغل Bluetooth وأعطاه للطالب، وبعد لحظة رده للأستاذ ، وقال: البحث عندك الآن يا أستاذ بهاتفك النقال. أخذ الأستاذ الوريقة و هاتفه النقال الشخصي و قصد مكتبه يتأمل الطالبين الاثنين و يقارن نفسه بنوع الطالب الرقمي الذي أصبح عنده بالصف.
إن هذا المدخل لأكبر دليل على غزو التكنولوجيا لنا أحببنا أم أبينا، في منازلنا كما هو الشأن في مدارسنا، فلا يسعنا إلا فتح نقاش هادئ حول طرق “تدجينها” و الاستفادة منها و حتى لا يكون استعمالها مجانيا.
فاليوم، لا يختلف اثنان في كون السياق العالمي للقرن الواحد و العشرين ، يتسم بتقدم تكنولوجي كبير وانفجار معرفي سريع وانفتاح ثقافي لامثيل له.
هذه المتغيرات السريعة، التي لامست العديد من المجالات المادية والتقنية والاقتصادية والثقافية، تستوجب من المدرسة –كفضاء تربوي لإعداد ناشئة قادرة على الانخراط الإيجابي في سيرورة العولمة – ، كما تستجوبها بأن تعيد النظر في طرق تدريسها، بل -و لما لا- أن تثور على براديغمات عملها و تستعجل ثورة تغييرها الضامن الوحيد للحفاظ على رسالتها في زمن يتسم بالتزايد الهائل في كم المعلومات والمعارف وتعدد مصادر التعلم المختلفة وانفتاح الثقافات وانتقالها من دولة إلى أخرى .
و من هذا المنطلق، سأطرح الأسئلة التالية:
ألم تعد المدرسة كفضاء مادي للتنشئة متجاوزة في زمن أصبح في التلميذ ينمو و ينشأ ويتعلم انطلاقا من برامج معلوماتية؟ أو بصيغة أخرى ما الجديد في العلاقة بين العرض التربوي التعليمي و الطلب التلاميذي؟
لماذا مازلنا كمغاربة نتشبث بالمدرسة كفضاء مادي بمواد تعليمية تنعت بالبسيطة و العالم اليوم يشهد ميلاد و نبوغ الجيل الرقمي و يستعجل ضرورة اعتماد المدرسة الشبكية او الرقمية ؟
أليس بمثل هذه المدارس-بلاتفورم plateforme بتأطير دنوي واقعي- سنضمن تفاعلا أكبر بين المتدخلين في العملية التربوية التعليمية ؟
ألم يصدق المفكر المغربي عبد الله العروي حين قال : إن تأطير ظواهر اجتماعية للقرن الواحد و العشرين انطلاقا من مقولات و مفاهيم و براديغمات القرن العشرين نوع من العبث إن لم نقل نوع من الدوغمائية التربوية؟
ما هي صورة المناهج المطلوبة لتلك المدرسة الافتراضية المنتظرة ؟ وهل ستبقى امتدادا وتكرارا للمناهج المعتمدة في مدرسة الحاضر ؟
متى سيتم تطوير تعليمنا المغربي بالذات ليواكب هذا التطور ؟
لماذا لا تكون هناك العاب إلكترونية تحاكي تعاليمنا ومنهاجنا وتساهم في تربية الجيل تربية سليمة ناجحة ؟ السيت بيداغوجيا اللعب جزء لا يتجزأ من منظومتنا ؟
لماذا لا يكون هناك نظام الكتروني للتلاميذ بتلقينهم المناهج عن طريق الانترنت وأيضا تسليم واجباتهم وتواصلهم مع مدرسيهم؟
هذا ما ستحاول هذه الورقة تأطيره باقتضاب، من خلا ل الإجابة عن بعضها و ترك شرف الجواب او التأمل في الأسئلة الأخرى. لأن القصد من مثل هذه المقالات هو خلق أرضية للنقاش حول موضوع أثارني و يثير حفيظة الكثير من المتتبعين و المهتمين بالشأن الثقافي عموما و التربوي التعليمي خصوصا.
- 1. الجيل Y و المدرسة x : أزمة مدرسة أم أزمة مدرس أم أزمة متعلم؟
قبل الغوص في الموضوع، يلزمني أن أقف وقفة المتأمل المتبصر لأقول : “عندما أتكلم عن مشروع المدرسة الافتراضية أو الشبكية ، فلا أقصد إزالة الفضاءات المادية للمدرسة ولكن أقول مادام هناك عطب في أنظمتنا المدرسية و عرضها التقليدي ، الشيء الذي أدى إلى ردود فعل قوية من طرف شركائها الداخليين و الخارجيين [هدر مدرسي، إنقطاع ،تقرير البنك الدولي،...]، جاء الوقت لنساءل مشروعية أداءها وفتح المجال لمشروعية الانفتاح على الأنترنت من خلال بلاتفورم تربوي أدواته برانم معلوماتية أكثر تفاعلية تربط الافتراضي بالواقعي . ولهذا لست متشائما على المستقبل القريب. لأن التغيير التربوي آت. السؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا التغيير، فكل تأخير سيدفع عنه الثمن . كما أود أن أسجل بكل روح المسئولية و الموضوعية أننا نخاف على أبنائنا و إخواننا و هو ما يدفعنا إلى أن نتمنى لهم أفضل حياة وأفضل تعليم . ”
إن المدرسة المغربية تعيش أزمة متعددة الأوجه و تعيش خارج التاريخ المشترك. متعددة الأوجه و تتمثل -على سبيل المثال لا الحصر- في : خصاص مهول في الأساتذة، نقص حاد في الوسائل التعليمية و إنعدام بعضها ، غياب صيانة المؤسسات ، قرارات سياسوية ضيقة ، زبونية حادة…إلخ . لكن الأخطر هو أن تعيش خارج التاريخ المشترك، و أقصد بذلك أن تؤطر ناشئتها انطلاقا من مقولات بالية بل أضحت من الزمن البائد،لذلك يتحدث البيداغوجين المحنكين عن ” الجيل Y و المدرسة x” .
إن الجيل الرقمي أو ما يصطلح عليه في الأدبيات التربوية و الإقتصادية ب ” Y” أو “Yers ” جيل متصل بالشبكة الإلكترونية ، لا يقبل إلا ما قبله قلبه وصدقه عقله ، لهذا يسميه البعض ب ” why ” ، كما يريد ترك بصمته في مستقبل العالم دون إغفال الإهتمام بشخصه ، في وقت تعمل فيه المدرسة التقليدية على محاربة ولوج الهواتف الخلوية و الذكية إلى فضاءاتها .
و للإشارة، فأول من أخرج للوجود عبارة الجيل Y هي المجلة الأمريكية ” Ad Age” ، لتصف بها مجموع مواليد الفترة الممتدة ما بين 1978 و 1994 . هذا المصطلح سيتم نقله إلى الفرنسية من طرف” بينجامين شميناد Benjamin Chaminade” خبير دولي في تدبير الكفاءات عن حديثه عن أجيال القرن العشرين[جيل الناضجين « la génération des Matures": 1900-1946 فجيل الانفجاريين " la génération des Boomers ":1946-1964 ثم جيل X: 1965-1982] .
كما أن اختيار الحرف Y لم يكن بشكل عبثي، و إنما بشكل علمي. فالجيل السابق لها –أقصد مواليد 1965 و1980 - سمي ب X” من طرف العالم و الإقتصادي الكندي Douglas Coupland.
ففي دراسة لوزارة الثقافة الأمريكية لسنة 2009، أبرزت هذه الأخيرة أن بالغي 14 -29 يستعلمون الأنترنت أكثر في الحياة اليومية ، و يضيف ” Olivier Donnat صاحب الدراسة” Pour cette génération l’utilisation des TIC est une habitude ancrée dans les mœurs. Que ce soit à l’école ou plus tard dans leur travail
و في مقال لمونيك رواير Monique Royer بعنوان ” الجيل Y و المدرسة x” ، يقول هذا الكاتب إن المدرسة اليوم تحس بنوع من الراحة في تعليمها الذي لا يأخد التطورات و متغير تطور الأجيال ، فالجيل Y أصبح مزود بيد ثالثة في شكل هاتف ذكي .
وهنا نساءل المسؤؤلين متى ستنخرط المدرسة في صيرورة القرن21، قرن الاتصال و التكنولوجيا ؟
و في سؤال محوري-كيف ندرس الجيل الرقمي؟- لندوة منعقدة بفرنسا تحت عنوان ” الجيل Y طرق الإستفادة” في شهر مارس2011، أجمع المشاركون أنه مادامت المدرسة هي منبع المجتمع و مصدر سوق الشغل، فليكن الإنطلاق في المنهاج الدراسي الواقع وليس التنظير المتقوقع على نفسه.
و في هذا السياق ، يضيف ” بينجامين شميناد” بأن نشوة حصول التلميذ أو الطالب على شهادة لم تعد كما كانت من قبل ،كما أن هاجس البطالة ألقى بثقله اليوم خاصة و السياق سياق الأصل فيه التغير و الأزمات ،بينما الإستقرار و الرخاء فأضحى من خبر كان.
و عند جوابه على السؤال ، قال يجب فهم نفسية تلامذة الجيل Y، الانطلاق من حاجاتهم اليومية ، و أخد الجرأة لولوج عوالهم الشخصية و إن عن بعد، المرونة مطلوبة، استعمال ما أسميه بديداكتيك القرب”la didactique de proximité” و اعتماد مبدأ التعليم بالخطأ.
كما يتحدث البروفيسور روني أوستون مؤسس معهد أبحاث تكنولوجيا التعلم بجامعة يورك [Toronto –Canada ]، عن أهم نتائج دراساته حول الجيل الرقمي و هي أنه عند بلوغ طالب الجيل الرقمي سن الحادية والعشرين يكون الجيل الرقمي قد قضى 12 ألف ساعة في الإبحار في شبكة الإنترنت، و10 آلاف ساعة في الألعاب الإلكترونية الرقمية، و10 آلاف ساعة في المكالمات الهاتفية، وأقل من 4 آلاف ساعة في القراءة، وأن قدرة الجيل الرقمي على التعلم تجعل السكان الرقميين يفكرون بالفعل بطريقة مختلفة نسبة للقدرات العصبية التي يتميزون بها ويعني ذلك أن العقل البشري يتغير وينظم ذاته بصورة مختلفة ومتباينة بناء على المدخلات[ les imputs]التي يستقبلها عبر مجريات الحياة ويتجسد ذلك بصورة أكبر في مرحلة الصغر.
كما خلص إلى كون بروفيل هذا الجيل بكونهم متعددو الأدوار و الخدمات، بحواسيبهم وبهواتفهم ، تجدهم متصلين ب MSN ، يراقبون بريدهم courriels، يجيبون عن دعواتهم في الشبكات الإجتماعية ، كما لا ينسون الأهم ،أي حضور دروسهم عن بعد.
بناء على ماسبق ، نستشف أن تعليمنا في ظل التكنولوجيا الحديثة يحتاج إلى (تصميم) حديث للتعليم ليساعد على نقل التعليم من تعليم المتعلم إلى تدريب وتمكين المتعلم نحو التعلم. ونقل دور التلميذ نقلة نوعية من كونه متلقنا إلى متعلم ودور المعلم من خبير إلى متعاون أو موجه.
. الجيل Y و المدرسة : Y نحو رؤية جديدة للمدرسة في ظل الانترنت
لم يبالغ أنشتاين كثيراً حينما قال ” الخيال أهم من المعرفة “؛ لإدراكه التام بأهمية الإبداع التنظيري في بناء أي مشروع بما فيه المشروع التربوي .
إن نجاح هذا المشروع الذي تضطلع المدرسة[le bouc émissaire ]بجزء كبير منه ، مرهون بقدرة المعلم الموجود اليوم على مفترق طرق[ الواقعي و الافتراضي، المعقول واللامعقول معاً، الممكن وغير الممكن،... ]، فإما أن يكون معلماً منطوياً على نفسه متحوصلاً في شرنقة الماضي الكلاسيكي التقليدي، معتبراً أن وظيفته الأساسية نقل المعلومات وحشوها في أذهان التلاميذ من خلال أساليب تلقينية قمعية وتسلطية، وهو مصدر المعرفة الوحيد، والتلميذ في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية، نافياً بذلك دور الجدلية والحوار والندية في تنمية الشخصية وتعزيز استقلالها؛ وإما معلماً ثورياً متحرراً ومتجدداً ساعياً وراء تطوير ذاته، مستخدماً أساليب متعددة وأسلحة غير تقليدية من أجل رفع قدرات المتعلمين واستثارة دافعيتهم نحو القيادة في المجالات كافة، منطلقاً معهم لفضاء الحرية والبحث العلمي، مسايراً لعصر تنفجر فيه المعرفة العلمية والتكنولوجية، وهذا ما تنشده التربية الحديثة، معلماً ذا بصيرة نافذة قادرة على التفاعل مع معطيات عصر العولمة والثورة المعلوماتية، خلافاً للتربية التقليدية التي ساهمت في إنتاج جيل عبارة عن بنوك معلومات متنقلة.
ولكن السؤال الذي يبحث عن صدى جواب هو ما مدى تطبيق هذه المعلومات في الحياة اليومية والعملية وقدرتها على حل ما يعترض حياته من مشكلات في ظل هذا العالم الديناميكي سريع التطور.
من هنا تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في البنى المعرفية والهياكل التربوية، لاسيما المعلم، لزيادة وعيه الثقافي واستعادة دوره الريادي في المجتمع، إضافة إلى قدرته على توظيف تقنيات عصر العولمة و الانترنت في حياته اليومية والعملية، وإعداده لعالم لم يعد كما كان من أجل إنتاج جيل مبدع مبتكر للمعرفة العلمية يحقق نقلة حضارية نوعية .
إن مثل هذا التغيير المدرسي على الصعيدين التنظيمي والسير وري هو مدخلا من بين عدة مداخل للقطع مع السلوكيات الرجعية و الماضوية البئيسة التي تجعل المتعلم متعلما نوستالجيا يعيش على ماضيه أكثر من وعيه بمخاطر حاضره ولا يستشرف أفاق غذه و مستقبله.
ولحدوث التطوير الفعلي في المدرسة، لا بد من وجود رغبة حقيقية للشروع في التغيير، واكتساب الآليات المهمة لحدوث التغيير والدفع بالقوى التنظيمية لتحقيق الأهداف.
و في نفس السياق، نذكر بضرورة اتخاذ القرار على المستوى السياسي مصحوباً بخطة متكاملة. و ضرورة اعتبار شبكة الإنترنت وسيلة أساسية من وسائل التعليم. و ضرورة دمع النموذج التعليمي القائم على بيئة شبكات المعلومات الحديثة ضمن عملية تطوير طرق التربية و التعليم.
طبعا، فالتطوير المدرسي في ظل التغييرات الكونية والتكنولوجية، وعولمة المعرفة هو سيرورة دائرية من البناء والارتقاء وإعادة البناء، والتغييرات الراديكالية بحاجة إلى وقت، وتعلم، وشراكة حقيقية بين أطراف العملية التعليمية، فدون تحديد الوقت الكافي لإحداث التغيير وتعميقه في الهواء المستنشق تنظيمياً، لا بد للتغيير التنظيمي أن يتلاشى ويزول، كونه لم يتجذّر بعد في الثقافة التنظيمية للمدرسة، بل هو مجرد ترديدات من الأمواج العابرة.
- · العوامل الواجب اخذها بعين الإعتبار في بناء منهج مدرسة الغد الشبكية
إذا كان المنهج - كما يعرفه الدكتور محمد زياد حمدان – هو وثيقة تربوية مكتوبة تصف أهداف التعلم التي ستعمل المدرسة على تحقيقها لدى التلاميذ مع ما يناسبها بالطبع من معارف وخبرات وأنشطة وتقييم، فإنه مدعو اليوم أكثر إلى إستشراف غذه التربوي المليء بالتحديات .
لهذا، وجب أخد عدة عوامل بعين الاعتبار في بناء منهج مدرسة الغد الشبكية، نذكر منها:
- طبيعة العصر: في عصرنا الراهن تغيرت كثيرا من المفاهيم وتجددت جملة من المطالب كما ازدادت درجة المطالب الاجتماعية في ضرورة ولوج الميسرات التكنولوجية ، مما يحتم على المنهج الدراسي أن ينظر إليها بجدية فيستفيد من الخدمات والمبتكرات ويولي تأهيل الناشئة القدرة على التفاعل معها بالصورة الإيجابية عناية قصوى وفق خطط هادفة ومدروسة .
- تأثير المعلومة: يتسم عصرنا بالانفجار المعرفي، مما يدل على أن المدرسة في حرج من مسارها. فبعد أن كانت وظيفتها تقديم المهارات المعرفية دون منافسة أصبح للمعلومة أكثر من قناة تفوق المدرسة في أساليب عرضها وتجدد معارفها. فكم بقي للمدرسة في هذا المجال ؟ وهل الناشئ يتقبل الأساليب التي تتبناها المدرسة ؟ وكيف تتم استفادة المدرسة من سيل المعلومة ؟ وهل المناهج الحالية قادرة على مواكبة تيار المعلومة الجارف ؟
- تيار العولمة :مفهوم العولمة أحد قضايا العصر التي لامست المنهج الدراسي الذي يجب أن ندق جرس الإنذار والاستعداد وأن نتفاعل مع مؤثرا ته تفاعلا إيجابيا لا يحرمنا خصائصه المتجددة ولا يذيب معالم شخصية ناشئتنا.
- تأثير المتغير : يعمل المتغير تأثيره في نظام التعليم بصورة قوية، امتدادا من قوة تأثيره في الحياة العامة وسرعة التطور والانتقال في نمط الحياة ، ولعل آليات المتغير الراهنة التي تفرض مغادرة الحياة الرتيبة عديدة من أبرزها : صورة العولمة وآثارها كما سبق التحدير ، والتطور الهائل في المعلومة والاتصال، وبرامج الحواسيب وقوة استيعابها ، وبروز معايير جديدة للقوى الدولية وغيرها الكثير ، فهل يراعي المخطط للمناهج هذه الأمور أثناء نظرته التجديدية للمناهج أم ستبقى خططه عاجزة فاشلة أمام المتغير أم أنه لم يستوعب بعد أدوات الركب الحضاري ؟!
- · مكانة التعليم الرسمي في حياة المستقبل : سؤال يجب ألا يغادر أذهاننا وخططنا ، هل ستبقى صورة التعليم النظامي بحالتها الراهنة أم حان الوقت لتغيير المفاهيم ونظام المدرسة ؟ وهل ستبرز الخطة الدراسية الإلكترونية المعتمدة لمدرسة الغد الشبكية بزمن ومكان جديد ؟ وهل ستتغير صورة القاعة الدراسية بفعل ضغوط ومؤثرات ستطرأ على الحياة مثل تأثير عامل الإمكانات القوي والنظرة الجديدة لوظيفة المدرسة ؟الشيء الأكيد أن صورة المدرسة ستتغير .
- الاهتمام بالتعليم الذاتي : التعليم الذاتي ليس جديدا عن التلاميذ المغاربة . لكن الجديد اليوم ،و نتيجة لعدة مؤثرات بدأ الاهتمام بهذا الأسلوب عن بعد [boites réponses ]لتشجيع التلميذ على تنمية ملكته الإبداعية والتفكير المستقل ومساعدته على تعلم أسلوب النقد الإيجابي .ومن خلال متابعة متطلبات مدرسة الغد سيصبح هذا النمط من التعليم ضرورة أساسية حيث سيخفف من إشكالية تجدد المعلومة وطرق كسبها ويؤهل الدارس للتعليم المستمر .
- الاهتمام بالمهارات المرتبطة بأفاق الغد: من أهداف المدرسة الشبكية تأهيل المتعلم ليتفاعل مع السياق المتشابك و المعولم تفاعلا منتجا .
إن لكل عصر سماته ومطالبه ومتطلباته المتجددة. ويمثل ضعف المدرسة التقليدية عن تحقيق تلك المطالب من خلال عرضها البسيط صورة من فشل التلميذ الذي ينعت خطأ بالكسول .
ولعل من أبرز مطالب العصر توفير الأطر الفنية الكفأة و الواعية بمجتمعات الغد القادرة على بناء وتحليل المعرفة واستثمارها .فالمدرسة الشبكية- عبر مناهجها المتجددة – قادرة على استقراء المستقبل وتحديد ملامحه وتأهيل الناشئة للمستقبل و تدعيمهم بالقدرة على التفاعل مع المستجدات .
ولعل المميزات الهامة التي تميز استخدام هذه الشبكة في التعليم ، و التي نجملها -مثالا لا حصرا -في النقاط التالية هي ما سيجشع عن شاء الله من استخدامها:
- الوفرة الهائلة في مصادر المعلومات: الكتب الإلكترونية (e-books) ،الدوريات (Periodiques)، قواعد البيانات (Bases de données)، الموسوعات (Encyclopedies)، المواقع التعليمية (sites d’enseignements).
– الاتصال غير المباشر (غير المتزامن): يستطيع الأشخاص الاتصال فيما بينهم بشكل غير مباشر ومن دون اشتراط حضورهم في نفس الوقت باستخدام مثلا البريد الإلكتروني (E-mail) : حيث تكون الرسالة والرد كتابياً. أو- البريد الصوتي (Vocal–mail) : حيث تكون الرسالة والرد صوتياً.
- الاتصال المباشر (المتزامن): وعن طريقه يتم التخاطب في اللحظة نفسها بواسطة إما التخاطب الكتابي (Chat) [يكتب التلميذ ما يريد قوله بواسطة لوحة المفاتيح والأستاذالمؤطر يرى ما يكتب في اللحظة نفسها ، فيرد عليه بالطريقة نفسها مباشرة بعد انتهاء الأول من كتابة ما يريد]أو التخاطب الصوتي (Audio–conference) [حيث يتم التخاطب صوتياً في اللحظة نفسها هاتفياً عن طريق الإنترنت]أو التخاطب بالصوت والصورة (المؤتمرات المرئية Video-conference [ حيث يتم التخاطب حياً على الهواء بالصوت والصورة].
و قبل الختام ، سأذكر من جديد ببعض سمات منهج مدرسة الغد الشبكية:
ü تأمين الكتب الحديثة المتوائمة مع المفهوم الحديث للمنهج والمتجاوزة للمفهوم التقليدي للكتاب المدرسي بحيث تشتمل على برامج تعليمية متجددة وأقراص ممغنطة وأساليب فاعلة للتعلم الذاتي.
ü تجاوز الأسلوب التقليدي المقيد للمعلم و المتعلم إلى رحاب أوسع يحقق المرونة والتجديد ويتيح فرصة أكبر للمتعلم بالمشاركة و إن عن بعد.
ü رسم أساليب وإجراءات جديدة للاختبار والتقييم تنطلق من المفهوم الحديث لوظائف التعليم وتتجاوز إطار الجامد المحصور في قياس المهارات المعرفية المجردة .
ü توظيف شبكة الإنترنـــــــــــــــــــت في العملية التعليمية بأسلوب عملي مخطط ومدروس .
ü النظر في محتوى المنهج المقدم للمتعلم وفي قدرته على تحقيق متطلبات التعلم الفاعل ،الذي يحقق تنمية العقل المبدع والناقد والمفكر باستقلالية والقادر على اختيار العرض الثقافي الأنسب.
ü تحديث الإدارة التربوية بكل مكوناتها . وتشجيع أسلوب التعليم الذاتي عن بعد
- · إيجابيات المدرسة الشبكية :
بالتعليم الشبكي، سنثور على مقولات عمليتي التعلم والتعليم التقليديتين، وذلك من خلال الأمور التالية:
ü سيتغيّر – أو يتأثر – دور المعلم في العملية التعليمية. فبدل أن يكون المعلم هو الكل – موفر المعلومة والمتحكم فيها – سيصبح موجهاً لعملية التعلم ومتعلماً في الوقت نفسه.
ü زيادة مستوى التعاون بين المعلم والطلاب.
ü البيئة التي يوفرها التعليم الشبكي تقلل من الفروقات بين التعليم التقليدي والتعليم عن بعد.
ü وجود المرونة في التعلم ، فالطالب يتعلم متى وكيفما شاء.
ü تحول الطالب من التعلم بطريقة الاستقبال السلبي إلى التعلم عن طريق التوجيه الذاتي.
ü تعلم الطالب بشكل مستقل عن الآخرين يبعده عن التنافس السلبي والمضايقات.
ü زيادة الحصيلة الثقافية لدى الطالب.
ü ارتفاع مستوى التحصيل الدراسي بدرجة ملحوظة.
ü تنامي روح المبادرة واتساع أفق التفكير لدى الطالب.
ü حل مشكلات الطلاب الذين يتخلفون عن زملائهم لظروف قاهرة ، كالمرض وغيره ، من خلال المرونة في وقت التعلم.
أكيد ، هذه المهمة ليست سهلة، لأنها كل تغيير هو مرفوض، و يظهر ذلك من خلال التمسك بالأساليب التعليمية القديمة أو السائدة و عدم الرغبة في التكيّف مع الأساليب والتقنيات الحديثة و الشعور بعدم الاهتمام وعدم المبالاة نحو التغييرات الجديدة. لكن حلاوة السؤال أو التساؤل حول واقع و أفاق المدرسة الافتراضية الشبكية هي خطوة مهمة، لكن شرط جدواها أن تحول إلى تفكير عميق في هذا الباب ، والبحث عن أفضل الطرق لتدبيره باحترام تام للقانون وبمراعاة للتطورات والتحولات التي عرفها المغرب، والحاجة إلى أن نستفيد من أطفالنا الذين ينمون اليوم في الفضاء الإفتراضي منه في الواقع وحتى يصبح الانترنت أداة لخدمة المجتمع، لا وسيلة للضياع .
و خير ما نختم به الكلام – و إن بكلمة- ، هو أن فتح موضوع من هذا القبيل و الذي يدخل في نطاق المسكوت عنه، سيضيف إلى القرارات الحكومية المواطنة، قرارا نوعيا، يسهم في إعادة تشكيل الثقافة التربوية من جديد، كما سيدعم صرح العلاقة بين الفاعلين على أساس التعاقد القائم على شروط واضحة متضمنة في دفتر تحملات متوافق عليه، مادامت القضية التربوية قضية وطنية بامتياز و الدستور المغربي ركز على البعد الحداثي للمشروع المجتمعي المتوافق عليه.
رضوان ازهري
0 commentaires :
إرسال تعليق