الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

خطر الانشطار الذي يهدد تعليمنا



عبد اللطيف شعيب

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن التمييز الذي بدأ يظهر ببلادنا بين التعليم الخصوصي و التعليم العمومي، حيث وصل بعضهم إلى دق ناقوس الخطر حول ما يمكن أن يترتب عن هذا التمييز من مخاطر على دمقرطة التعليم ببلادنا و على وحدة منظومتنا التربوية و التكوينية. فإلى أي حد يمكن الإقرار بوجود شق بين النوعين يتسع شيئا فشيئا؟ و ما تأثير ذلك على مخرجاتنا التربوية و التكوينية؟
في البداية سأحاول تسليط الضوء على الجوانب التي جعلت النوعين يتباعدان تدريجيا، و لا أدعي أنني سوف ألم بالموضوع من كل جوانبه، بل أعتبرها محاولة تحسيس فقط، و سأعتمد المقاربة الكرونولوجية لمختلف العمليات المنجزة بالمؤسسات التعليمية :
على مستوى المدخلات، نجد أن المتمدرسين بالتعليم العمومي لا يخضعون لعملية الانتقاء قبل تسجيلهم بالتعليم العمومي كما هو الشأن بالتعليم الخصوصي الذي تضع مؤسساته معايير خاصة لتسجيل التلاميذ، و الذي يدخل معيار التفوق من بينها، مما يجعل نوعية التلاميذ تختلف بين الصنفين. و من شأن هذا أن يكرس الفرق بين النوعين منذ انطلاق عملية التسجيل بها..
على مستوى الاكتظاظ بالقسم، فالتعليم الخصوصي يوفر لزبنائه ظروفا أحسن من حيث معدل التلاميذ بالقسم الذي يقارب الخمسة و العشرين تلميذا، بينما يظل الاكتظاظ يرهق المؤسسات العمومية التي قد يصل فيها معدل الاكتظاظ في بعض المستويات إلى أربعين تلميذا بالقسم أو أكثر..
على مستوى الموارد البشرية، فرغم الجودة من ناحية التكوين و التجربة التي يتميز بها العاملون بالقطاع العمومي . عكس ما نراه في هذا القطاع، إننا نجد الاستعداد و الحافزية التي ترافق العاملين بالقطاع الخصوصي مثيرة للانتباه. و قد يرجع ذلك إلى التواصل المستمر بين المسؤول عن المؤسسة و العاملين بها. و كذلك مراقبتهم اليومية الصارمة و اللصيقة من طرف الإدارة من جهة و من طرف أولياء أمور التلاميذ من جهة أخرى . هناك عامل آخر مؤثر أيضا، و هو التعامل المادي الأجري المباشر بين المسؤول و بين هؤلائ المستخدمين و المرتبط بمردوديتهم الفعلية بهذا القطاع.
أما في ما يتعلق بالتدبير اليومي و المرونة في التعامل مع المقررات، فرغم ما تسعى إليه الوزارة الوصية على القطاع من توحيد في هذا الشأن، إلا أننا نسجل أن بعض المؤسسات الخصوصية بدأت تتدخل لوضع بصمتها كإخضاع المقررات حسب أهدافها الربحية و الإشعاعية بالأساس، أو إهمال بعض المواد الثانوية و الاهتمام أكثر بالمواد التي سيمتحن فيها التلميذ آخر السنة كما هو الشأن بالنسبة لمستوى الأولى أو الثانية بكالوريا، أو مضاعفة حصص بعض المواد الأساسية لضمان نتائج أفضل عند تقويمها..
أما على مستوى التوجيه، فمعيار بنية المؤسسة الذي يعتبر من المعايير الأساسية المعتمدة في عمليات التوجيه و تغيير التوجيه \" أنظر المذكرة الإطار 90 - معايير التوجيه ، ومعايير تغيير التوجيه و الانتقاء الأولي..- \" والذي يعد من العوائق الحقيقية لتحقيق طلبات التلاميذ بالمؤسسات العمومية حيث الاكتظاظ هي السمة البارزة في هذا الصنف. فهذا العائق ينمحي كليا بالمؤسسات الخصوصية، إذ توفر جلها شعبا و لو بعدد لا يفوق ثمانية أفراد في بعض الحالات..

و في ما يرتبط بالتقويم و خصوصا تنقيط التلاميذ بمستوى الثانية بكالوريا ،فقد أصبح الإنسان العادي قبل المهتم يعي أن هناك فرقا كبيرا في ذلك بين التعليم العمومي و الخصوصي، حيث أصبح عدد الآباء الذين يسجلون أبناءهم بالتعليم الخصوصي بهذا المستوى يتزايد باستمرار، و ذلك بغية أن يحصل أبناءهم على معدلات أكبر مما قد يحققونه بالتعليم العمومي تضمن لهم الحصول على شهادة البكالوريا من جهة و تمكنهم من رفع حظوظهم للالتحاق بإحدى المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود من جهة أخرى .
كل هذا يجعل جانبيتي المنتوجين ( التلاميذ المتخرجون..)تختلفان. فإذا كانت الظروف المحيطة بالتدريس بالمؤسسات الخصوصية تعلم الفرد الانتقاد، و تشجعه على المبادرة، و تشجعه على التواصل، و تعد فيه شخصية متحررة من الخوف و من الخجل،.. فالمؤسسة العمومية بتشبتها بالممارسات التقليدية لا زالت تكرس لدى المتعلم الخجل و الخوف، و الخضوع و الخنوع لمن لهم سلطة المعرفة و سلطة القرار عليه. و ذلك بالرغم مما تحث عليه مجموعة من المذكرات الموجهة للمؤسسات التعليمية العمومية لإحداث أندية تمكن التلميذ من التفتح و من بناء شخصية مستقلة.. . إلا أن الملاحظ لواقع هذه المؤسسات لا يمكن له أن ينكر أن عددا من العوائق تقف دون تحقيق المتوخى منها من أهداف ..
خلال ما سبق يتبين أن مخرجات هذين الصنفين سوف لن تتوفر لهما نفس الإمكانيات على مستوى الدراسات الجامعية أو التكوينية التي تعتمد أساسا معدل البكالوريا المحصل عليه للتسجيل بها و على القدرة على الإقناع و الجانبية الموفقة التي تتطلبها المقابلات الشفوية المرتبطة بولوجها.
و حتى نحافظ على تماسك مجتمعنا الذي ضل كذلك عبر عصور طويلة من خلال التربية و القيم الموحدة التي تلقاها أبناءه خلالها، و كذلك حتى نتفادى ما قد نصل إليه من طبقية تربوية و تكوينية تضر ناشئتنا و من خلالها مجتمعنا ككل، أقترح أن تفكر الوزارة بجد في التقريب بين الصنفين والعمل على توحيدهما من خلال تحقيق استفادة كل صنف على حدة من التجارب الناجحة للصنف الآخر و تعميمها. و العمل أيضا على معالجة ما يعمق الفرق بينهما و يزيد من تشرذمهما، كما هو الشأن بما يحصل من فوارق على مستوى التقويم بامتحانات البكالوريا و خصوصا المراقبة المستمرة بالثانية بكالوريا على سبيل المثال لا الحصر.

0 commentaires :

إرسال تعليق